للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولهذا كان العقل الصريح موافقًا للنقل الصحيح، والشِّرْعة مطابقة للفطرة، تتصادقان ولا تتعارضان، خلافًا لمن قال: إذا تعارض العقل والوحي قدّمنا العقل على الوحي.

فقُبْحًا (١) لعقل يَنقضُ الوحيَ حكمُهُ ... ويشهد حقًّا أنه هو كاذبُ (٢)

والمقصود أنّ الله فطر عباده على فطرة فيها الإقرار به ومحبته والإخلاص له، والإنابة إليه، وإجلاله وتعظيمه، وأنّ الشخص الخارج عنها لا يُحْدِث فيها ذلك، ويجعله فيها بعد أن لم يكن، وإنما يذكّرها بما فيها، وينبّهها عليه، ويحرّكها له، ويفصّله لها ويبيّنه، ويعرّفها الأسباب المقوّية، والأسباب المعارضة له، والمانعة من كماله، كما أنّ الشخص الخارج لا يجعل في الفطرة شهوة اللبن عند الرضاع، والأكل والشرب والنكاح، وإنما يذكّر النفس ويحرّكها لما هو مركوز فيها بالقوة.

فصل (٣)

ومما يبين ذلك: أنّ الإقرار بالصانع مع خلو القلب عن محبته والخضوع له وإخلاص الدين له؛ لا يكون نافعًا، بل الإقرار به مع الإعراض عنه وعن محبته وتعظيمه والخضوع له؛ أعظم استحقاقًا للعذاب، فلا بدّ أن يكون في الفطرة مقتضٍ للعلم، ومقتضٍ للمحبة، والمحبة مشروطة بالعلم؛ فإن ما لا يشعر به الإنسان لا يحبّه، والحب للمحبوبات لا يكون بسبب من


(١) «د»: «قبيحا»، والتصويب من «ت».
(٢) لم أقف عليه في مصدر آخر.
(٣) انظر: «درء التعارض» (٨/ ٤٥٠ - ٤٥١).