للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وينبغي أن يُعْلَم أن الهوى وحده لا يستقل بفعل السيئات إلا مع الجهل، وإلا فصاحب الهوى لو جزم بأن ارتكاب هواه يضره ولابدّ ضررًا راجحًا لانصرفت نفسه عن طاعته له بالطبع؛ فإن الله سبحانه جعل في النفس حبًّا لما ينفعها وبغضًا لما يضرها، فلا تفعل مع حضور عقلها ما تجزم بأنه يضرها ضررًا راجحًا، ولهذا يوصف تارك ذلك بالعقل والحِجَى والنُّهى واللُّب.

فالبلاء مُرَكَّب من تزيين الشيطان وجهل النفس، فإنه يزين لها السيئات ويريها أنها في صورة المنافع واللذات والطيبات، ويُغفِلها عن مطالعتها لمضرتها، فيتولّد من بين هذا التزيين وهذا الإغفال والإنساء لها إرادة وشهوة، ثم يمدها بأنواع التزيين، فلا يزال يقوى حتى يصير عزمًا جازمًا يقترن به الفعل، كما زيّن للأبوين الأكل من الشجرة، وأغفلهما عن مطالعة مضرة المعصية.

فالتزيين هو سبب إتيان (١) الخير والشر، كما قال تعالى: {وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأنعام: ٤٣]، وقال: {(٧) أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَأَىهُ حَسَنًا} [فاطر: ٨]، وقال في تزيين الخير: {وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ} [الحجرات: ٧]، وقال في تزيين النوعين: {كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأنعام: ١٠٨]، فتزيين الخير والهدى بواسطة الملائكة والمؤمنين، وتزيين الشر والضلال بواسطة الشياطين من الجن والإنس، كما قال تعالى: {وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ} [الأنعام: ١٣٧].


(١) «م» «ج»: «إيثار»، والمثبت من «د» أقرب للمعنى.