للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وعلى التقديرين فهو لم يضف النعمة إلى الربّ من كل وجه، وإن أضافها إليه من وجه دون وجه، وهو سبحانه وحده المنعم من جميع الوجوه على الحقيقة بالنعم وأسبابها، فأسبابها مِن نعمه على العبد وإن حصلت بكسبه، فكسبه من نعمه، فكل نعمة فمن الله وحده، حتى الشكر فإنه نعمة وهي منه سبحانه، فلا يطيق أحد أن يشكره إلا بنعمته، وشكره نعمة منه عليه، كما قال داود عليه الصلاة والسلام: "يا ربِّ، كيف أشكرك وشكري لك نعمة من نعمك عليّ تستوجب شكرًا آخر؟ فقال: الآن شكرتني يا داود" ذكره الإمام أحمد (١).

وذكر أيضًا عن الحسن قال: قال داود: "إلهي، لو أن لكل شعرة من شعري لسانين يذكرانك بالليل والنهار، والدهر كله؛ لما أدّوا ما لك عليَّ من حق نعمة واحدة" (٢).

والمقصود أن حال الشاكر ضد حال القائل: {إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِيَ} [القصص: ٧٨].

ونظير ذلك قوله تعالى: {لَا يَسْأَمُ الْإِنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ (٤٩) وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي} [فصلت: ٤٩ - ٥٠]، قال ابن عباس: "يريد من عندي" (٣).


(١) بنحوه في "الزهد" (٣٧٥)، وأخرجه ابن أبي حاتم بقريب منه كما في "تفسير ابن كثير" (٦/ ٥٠١).
(٢) بنحوه في "الزهد" (٣٦١)، وأخرجه ابن أبي شيبة (٣٢٥٥١).
(٣) نسبه إليه الواحدي في "البسيط" (١٩/ ٤٧٥).