للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأيضًا فهذا يوافق قوله: {فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّيَ أَكْرَمَنِ (١٥) وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّيَ أَهَانَنِ} [الفجر: ١٥ - ١٦]، فهو قد اعترف بأن ربه هو الذي آتاه ذلك، ولكن ظنَّ أنه (١) لكرامته عليه.

فالآية على التقدير الأول تتضمن ذم من أضاف النعم إلى نفسه وعلمه وقوته، ولم يضفها إلى فضل الله وإحسانه، وذلك محض الكفر بها؛ فإن رأس الشكر الاعتراف بالنعمة، وأنها من المنعم وحده، فإذا أضيفت إلى غيره كان جحدًا لها، فإذا قال: أوتيته على ما عندي من العلم والخبرة التي حصلت بها ذلك؛ فقد أضافها إلى نفسه، وأُعْجِب بها، كما أضافها إلى قدرته الذين قالوا: {مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً} [فصلت: ١٥]، فهؤلاء اغتروا بقوتهم، وهذا اغتر بعلمه، فما أغنى عن هؤلاء قوتهم، ولا عن هذا علمه.

وعلى التقدير الثاني: يتضمن ذمّ من اعتقد أن إنعام الله عليه لكونه أهلًا ومستحقًا لها، فقد جعل سبب النعمة ما قام به من الصفات التي يستحق بها على الله أن ينعم عليه، وأن تلك النعمة جزاء له على إحسانه وخيره، فقد جعل سببها ما اتصف به هو، لا ما قام بربِّه من الجود والإحسان والفضل والمنة، ولم يعلم أن ذلك ابتلاء واختبار له: أيشكر أم يكفر، ليس ذلك جزاء له على ما منه، ولو كان ذلك جزاء على عمل عمله، أو خير قام به، فالله سبحانه هو المنعم عليه بذلك السبب، فهو المنعم بالسبب والجزاء، والكل محض منّته وفضله وجوده، وليس للعبد من نفسه مثقال ذرة من الخير.


(١) "د": "ربه هو الذي أراد ذلك، ولكن ضن به".