للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال في "الصحاح" (١): "وزَعْتُه أزَعُه وَزْعًا: كففته، فاتّزَعَ عنه، أي: كَفَّ، وأوْزَعْتُه بالشيء: أغريته به، فأوزع به، فهو مُوزَع به، أي: مُغْرى به. واستوزعت الله شكره فأوزعني، أي: استلهمته فألهمني".

فقد دار معنى اللفظة على معنى: ألهمني ذلك، واجعلني مُغْرى به، وكفّني عما سواه.

وعند القدرية أن هذا غير مقدور للرب، بل هو عَين مقدور العبد.

فصل

ومن ذلك قوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ} [الحجرات: ٧]، فتحبيبه سبحانه الإيمان إلى عباده المؤمنين هو إلقاء محبته في قلوبهم، وهذا لا يقدر عليه سواه، وأما تحبيب العبد الشيء إلى غيره فإنما هو بتزيينه وذكر أوصافه وما يدعو إلى محبته، فأخبر سبحانه أنه جعل في قلوب عباده المؤمنين الأمرين: حبّه وحُسْنه الداعي إلى حبّه، وألقى في قلوبهم كراهة ضده من الكفر والفسوق والعصيان، وأن ذلك محض فضله ومنّته عليهم، حيث لم يكلهم إلى أنفسهم، بل تولى هو سبحانه هذا التحبيب والتزيين، وتكريه ضده، فجاد عليهم به فضلًا منه ونعمة، والله عليم بمواقع فضله، ومن يصلح له ومن لا يصلح، حكيم بجعله في مواضعه.

ومن ذلك قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ (٦٢) وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ


(١) (٣/ ١٢٩٧).