للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [الأنفال: ٦٢ - ٦٣]، وقال: {وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا} [آل عمران: ١٠٣]، وتأليف القلوب جعل بعضها يألف بعضًا، ويميل إليه ويحبه، وهو من أفعالها الاختيارية، وقد أخبر سبحانه أنه هو الذي فعل ذلك لا غيره.

ومن ذلك قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ} [المائدة: ١١]، أخبر سبحانه بفعلهم وهو الهَمّ، وبفعله وهو كفّهم عما همّوا به، ولا يصح أن يقال: إنه سبحانه أَشلّ أيديهم أو أماتهم، أو أنزل عليهم عذابًا حال بينهم وبين ما هموا به، بل كفّ قُدَرهم وإراداتهم مع سلامة حواسهم وبنيتهم، وصحة آلات الفعل منهم.

وعند القدرية هذا محال، بل هم الذين يكفون أنفسهم، والقرآن صريح في إبطال قولهم.

ومثله قوله تعالى: {وَهْوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ} [الفتح: ٢٤]، فهذا كفّ أيدي الفريقين مع سلامتها وصحتها، وهو بأن حال بينهم وبين الفعل فكفّ بعضهم عن بعض.

ومن ذلك قوله تعالى: {بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ} [النحل: ٥٣]، والإيمان والطاعة من أجلِّ النعم، بل هما أجل النعم على الإطلاق، فهما منه سبحانه تعليمًا وإرشادًا وإلهامًا وتوفيقًا ومشيئة وخلقًا، ولا يصح أن يقال: إنهما منه أمرًا وبيانًا فقط، فإن ذلك حاصل بالنسبة إلى الكفار والعصاة، فتكون نعمته على أكفر الخلق كنعمته على أهل الإيمان والطاعة والبر منهم، إذ نعمة البيان