للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فاجتمعت هذه الأحاديث والآثار على تقدير رزق العبد وأجله وشقاوته وسعادته وهو في بطن أمه، واختلفت في وقت هذا التقدير، وهذا تقدير بعد التقدير الأول السابق على خلق السماوات والأرض، وبعد التقدير الذي وقع يوم استخراج الذرية بعد خلق أبيهم آدم.

ففي حديث ابن مسعود أن هذا التقدير يقع بعد مائة وعشرين يومًا من حصول النطفة في الرحم، وحديث أنس غير مؤقت، وأما حديث حذيفة بن أَسيد فقد وقَّت فيه التقدير بأربعين يومًا، وفي لفظ: بأربعين ليلة (١)، وفي لفظ: ثنتين وأربعين ليلة، وفي لفظ: بثلاث وأربعين ليلة، وهو حديث انفرد به مسلم ولم يروه البخاري.

وكثير من الناس يظن التعارض بين الحديثين، ولا تعارض بينهما بحمد الله؛ فإن الملك الموكل بالنطفة يكتب ما يقدره الله سبحانه على رأس الأربعين الأولى، حتى تأخذ في الطور الثاني وهو العلقة، وأما الملك الذي ينفخ فيه الروح فإنما ينفخها بعد الأربعين الثالثة، فيؤمر عند نفخ الروح فيه بكَتْب: رزقه، وأجله، وعمله، وشقاوته وسعادته، وهذا تقدير آخر غير التقدير الذي كتبه الملك الموكل بالنطفة، ولهذا قال في حديث ابن مسعود: "ثم يرسل إليه الملك فيؤمر بأربع كلمات"، وأما الملك الموكل بالنطفة، فذاك راتب معها ينقلها بإذن الله من حال إلى حال، فتقدير الله سبحانه شأن النطفة حين تأخذ في مبدأ التخليق وهو العلق، وتقدير شأن الروح حين تتعلق بالجسد بعد مائة وعشرين يومًا، فهو تقدير بعد تقدير.


(١) جملة: "وفي لفظ: بأربعين ليلة" ساقطة من "م".