للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فصل

النوع العشرون: جوابه سبحانه لمن سأله عن التخصيص والتمييز الواقع في أفعاله بأنه لحكمة يعلمها هو سبحانه، وإن كان السائل لا يعلمها، كما أجاب الملائكة لما قال لهم: {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً} فقالوا: {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ}، فأجابهم بقوله: {إِنِّيَ أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [البقرة: ٣٠]، ولو كان فعله مجرّدًا عن الحِكَم والغايات والمصالح لكان الملائكة أعلم مِنْ (١) أن يسألوا هذا السؤال، ولم يصح جوابهم بتفرّده بعلم ما لا يعلمونه من الحِكَم والمصلحة التي في خلق هذا الخليفة.

ولهذا كان سؤالهم إنما وقع عن وجه الحكمة، ولم يكن اعتراضًا على الربّ تعالى، ولو قُدِّر أنه على وجه الاعتراض فهو دليل على علمهم أنه لا يفعل شيئًا إلا لحكمة، فلما رأوا أن خلق هذا الخليفة منافٍ للحكمة في الظاهر سألوه عن ذلك.

ومن هذا قوله تعالى: {وَإِذَا جَاءَتْهُمْ آيَةٌ قَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَاتِهِ} [الأنعام: ١٢٤]، فأجابهم بأن حكمته وعلمه يأبى أن يضع رسالاته في غير محلها، وعند غير أهلها، ولو كان الأمر راجعًا إلى محض المشيئة لم يكن في هذا جواب، بل كان الجواب أن أفعاله لا تُعلَّل، وهو يرجِّح مِثْلًا على مِثْل بغير مرجِّح، والأمر عائد إلى مجرّد القدرة كما يقوله المنكرون.


(١) «د»: «به».