الحكمة في خلق الأرض وما عليها ظاهرة لكل بصير، والمعمور منها بعضها لا كلّها، والرب تعالى واسع الجود دائمه، فجوده وخيره عام دائم فلا يكون إلا كذلك، فإن ذلك من لوازم علمه وقدرته وحكمته، ولعلمه وقدرته وحكمته العموم والشمول والكمال المطلق بكل اعتبار.
فيُعلم من استقراء العالَم وأحواله انتهاؤه إلى عالِم واحد، وقادر واحد، وحكيم واحد، قد أتقن نظامه أحسن الإتقان، وأوجده على أتم الوجوه، وهو سبحانه ناظمُ أفعال الفاعلين مع كثرتها، ورابطُ بعضها ببعض، ومعينُ بعضها ببعض، وجاعلُ بعضها سببًا لبعض، وغايةً لبعض، وهذا من أدلّ الدليل على أنه خالق واحد، وربّ واحد، وقادر واحد.
دلَّ على قدرته كثرةُ أفعاله وتنوعها في الوقت الواحد، وتعاقبها على تتالي الآنات، وتفنّن تصرفاته في مخلوقاته على كثرتها.
ودلَّ على علمه وحكمته كون كل صغير وكبير، ودقيق وجليل داخلًا في النظام الحِكَمِي، ليس فيها شيء سُدى، حتى مسام الشعر في الجلد، ومَراشح اللعاب في الفم، ومجاري الشُّعَب الدقيقة من العروق في أصغر الحيوانات، التي تعجز عنها أبصارنا، ولا تنالها قدرتنا، وهذا فيما دقّ لصغره.
وفيما جَلّ لعظمه، كالرياح الحاملة للسحب إلى الأرض الجُرُز التي لا نبات بها، فيمطرها عليها، فيُخْرِجُ بها نباتًا، ويُحْيي بها حيوانًا، ويجعل فيها خزائن من الطعام والشراب والأقوات والأدوية.
دع ما فوق ذلك (١) من تسخير الشمس والقمر والنجوم، واختلاف