للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فهم بأشخاصهم الكثيرة كإنسان واحد يقوم بعضه بمصالح بعض، قد كَمَّل خواص الإنسانية في صفاته وأفعاله وصنائعه وما يراد منه، فإن الواحد منهم لا يفي بأن يجمع جميع الفضائل العلمية والعملية والقوة والبقاء، فجُعِل ذلك في النوع الإنساني بجملته.

والله سبحانه قد فرّق كمالات النوع في أشخاصه، وجعل لكل شخص منها ما هو مستعد قابل له، بحيث لو قبل أكثر من ذلك لأُعْطِيَه؛ فإنه جواد لذاته قد فاض جوده وخيره على العالم كله، وفضُل عنه أضعاف ما فاض عليه، فهو يفيضه على تعاقب الآنات أبدًا، ولذلك يَفضُل في الجنة فَضْلٌ عن أهلها فينشئ الله لها خلقًا يسكنهم فَضْلها.

وإنما يتخصص فضله بحسب استعداد القوابل والمُعَدّات، وذلك بمشيئته وحكمته، فهو الذي أوجدها، وهو الذي أعدها، وهو الذي أمدها.

ولمّا كان جوده وفضله أوسع من حاجة الخلق لم يكن بُدّ من بقاء كثير منه مبذولًا في الوجود مهملًا، وهذا كضوء الشمس مثلًا، فإن مصالح الحيوان لا تتم إلا به، وهو مشرق على مواضعَ فَضْلة عن حوائج الحيوان (١)، وكذلك المطر والنبات وسائر النِّعَم، ومع ذلك فلم يعطل وجودها عن حِكَم ومصالح وعبر ودلالات، وعطاء الربّ ونعمه أوسع من حوائج خلقه، فلابُدّ أن يبقى في المياه والأقوات والنبات وغير ذلك أجزاء مهملة.

ولا يقال: ما الحكمة في خلقها؟ فإن هذا سؤال جاهل ظالم؛ فإن


(١) «د»: «حوائج بني آدم الحيوان».