للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولكن قد قَصَده وأحكمه مَن هو بكل شيء عليم، وعلى كل شيء قدير، بحكمته ولطفه، وساقه في المجاري التي لا تنفذ فيها الإبر لدقة مسالكها، حتى أوصله إلى المحتاج إليه، الذي لا صلاح له إلا بوصوله إليه.

وكانت طبيعة الكبد ومزاجها في ذلك تلي طبيعة المعدة، وفعلها يلي فعلها.

وكذلك الأمعاء وباقي الأعضاء كالكبد للقلب في إعداد الغذاء، والقلب للرئة، والرئة للقلب في إعداد الهواء وإصلاحه.

فالأعضاء الموجودة في الشخص إذا تأملتها وتأملت أفعالها ومنافعها، وما تضمنه كل واحد منها من حكمة اختصت به، كشكله ووصفه ومزاجه ووضعه من الشخص بذلك الموضع المعين= علمت علمًا يقينيًا أن ذلك صادر عن خالق واحد، ومدبّر واحد، وحكيم واحد.

فانتقِلْ من هذا إلى أشخاص العالم شخصًا شخصًا من النوع الإنساني؛ تجد الحكمة الواحدة الظاهرة في تلك الأفراد الكثيرة قد نفعت بعضهم ببعض، وأعانت بعضهم ببعض، حَرّاثًا لزَرّاع، وزَرّاعًا لحاصد، وحائكًا لخياط، وخياطًا لنجار، ونجارًا لبنّاء، فهذا يعين هذا بيده، وهذا برجله، وهذا بعينه، وهذا بأذنه، وهذا بلسانه، وهذا بماله (١)، إذ لا يقدر أحدهم على جميع مصالحه، ولا يقوم بحاجاته، ولا توجد في كل واحد واحد (٢) منهم جميع خواص نوعه.


(١) زاد في «د»: «وهذا»، وبعده بياض بمقدار كلمة.
(٢) كذا في النسختين بتكرار «واحد».