للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ابنتَه على النكاح، وجَبَر الحاكمُ الرجلَ على البيع، ومعنى هذا الجَبْر: أكرهه عليه، ليس معناه أنه جعله محبًّا لذلك، راضيًا به، مختارًا له، والله تعالى إذا خلق فعل العبد جعله محبًّا له، مختارًا لإيقاعه، راضيًا به، كارهًا لعدمه، فإطلاق لفظ "الجَبْر" على ذلك فاسد لفظًا ومعنى؛ فإن الله سبحانه أجلّ وأعدل (١) من أن يجبر عبده بذلك المعنى، وإنما يجبر العاجزُ عن أن يجعل غيره فاعلًا بإرادته ومحبته ورضاه. وأما مَن جَعَل العبدَ (٢) مريدًا محبًّا مؤثرًا لما يفعله، فكيف يقال: إنه جَبَره عليه؟!

فهو سبحانه أجلّ وأعظم وأقدر من أن يجبر عبده، ويكرهه على فعل ما يشاؤه منه، بل إذا شاء من عبده أن يفعل فعلًا جعله قادرًا عليه، مريدًا له، محبًا مختارًا لإيقاعه، وهو أيضًا قادر على أن يجعله فاعلًا له باختياره مع كراهته له، وبغضه ونفرته عنه.

فكل ما يقع من العباد بإراداتهم ومشيئاتهم فهو سبحانه الذي جعلهم فاعلين له، سواء أحبوه، أو أبغضوه وكرهوه، وهو سبحانه لم يجبرهم في النوعين، كما يجبر غيرُه مَنْ لا يقدر على جعله فاعلًا بإرادته ومشيئته.

نعم، نحن لا ننكر استعمال لفظ "الجَبْر" فيما هو أعمّ من ذلك، بحيث يتناول مَن قَهَر غيرَه، وقدر على جعله فاعلًا لما يشاء فعله، وتاركًا لما لا يشاء فعله؛ فإنه سبحانه المحدث لإرادته له، وقدرته عليه، كما قال محمد بن كعب القرظي في اسم "الجبّار" سبحانه: "هو الذي جَبَرَ العباد على


(١) "د": "وأعز".
(٢) "د": "فعل العبد".