للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقالت الرسل لقومهم: {إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ} [إبراهيم: ١١].

فمِنّته سبحانه محض إحسانه وفضله ورحمته، وما طاب عيش أهل الجنة فيها إلا بمنَّته عليهم، ولهذا قال أهلها وقد أقبل بعضهم على بعض يتساءلون: {إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ (٢٦) فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ} [الطور: ٢٦ - ٢٧]، فأخبروا ــ لمعرفتهم بربهم وحقه عليهم ــ أن نجاتهم من عذاب السموم بمحض مِنّته عليهم.

وقد قال أعلم الخلق بالله، وأحبهم إليه، وأقربهم منه، وأطوعهم له: "لن يدخل أحد منكم الجنة بعمله". قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: "ولا أنا، إلا أن يتغمّدني الله برحمة منه وفضل".

وقال: "إن الله لو عذَّب أهل سماواته وأرضه لعذّبهم وهو غير ظالم لهم، ولو رحمهم لكانت رحمته لهم خيرًا من أعمالهم"، والأول في "الصحيح" (١)، والثاني في "المسند" و"السنن"، وصححه الحاكم وغيره (٢).

فأخبر سيد العالمين والعاملين أنه لا يدخل الجنة بعمله.

وقالت القدرية: إنهم يدخلونها بأعمالهم؛ لئلا يتكدر نعيمهم عليهم بمِنّة الله، بل يكون ذلك النعيم عوضًا.


(١) أخرجه البخاري (٦٤٦٣)، ومسلم (٢٨١٦) من حديث أبي هريرة.
(٢) أخرجه أحمد (٢١٥٨٩)، وأبو داود (٤٦٩٩)، وابن ماجه (٧٧) من حديث أبي بن كعب، وصححه ابن حبان (٧٢٧)، ولم أعثر عليه في "المستدرك"، ولم أجد من عزاه إليه من المخرّجين، والله أعلم.