للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقوله: "فيمن هديت" فيه فوائد:

أحدها: أنه سؤال له أن يدخله في جملة المهتدين وزمرتهم ورفقتهم.

الثانية: توسل إليه بإحسانه وإنعامه، أي: إنك قد هديت من عبادك بشرًا كثيرًا فضلًا منك وإحسانًا، فأحسن إليّ كما أحسنت إليهم، كما يقول الرجل للمَلِك: اجعلني من جملة من أغنيتَه وأعطيتَه وأحسنتَ إليه.

الثالثة: أن ما حصل لأولئك من الهدى لم يكن منهم ولا بأنفسهم، وإنما كان منك، فأنت الذي هديتهم.

وقوله: "وعافني فيمن عافيت" إنما يسأل ربّه العافية المطلقة، وهي العافية من الكفر والفسوق والعصيان والغفلة والإعراض، وفعل ما لا يحبه، وترك ما يحبه، فهذا حقيقة العافية، ولهذا ما سُئل الربّ سبحانه شيئًا أحب إليه من العافية؛ لأنها كلمة جامعة للتخلص من الشرّ كله وأسبابه.

وقوله: "وتولّني فيمن تولّيت" سؤال للتولّي الكامل، ليس المراد به ما فعله بالكافر من خَلْق القدرة وسلامة الآلة وبيان الطريق، فإن كان هذا هو ولايته للمؤمنين فهو ولي الكفار كما هو ولي المؤمنين، وهو سبحانه يتولّى أولياءه بأمور لا توجد في حق الكفار؛ من توفيقهم وإلهامهم وجعلهم مهتدين مطيعين.

ويدل عليه قوله: "إنه لا يذل من واليت"؛ فإنه منصور عزيز غالب بسبب تولّيك له، وفي هذا تنبيه على أن من حصل له ذلّ في الناس فهو بنقصان ما فاته من تولي الله له، وإلا فمع الولاية الكاملة ينتفي الذل كلّه، ولو سُلّط عليه بالأذى مَن بأقطارها فهو العزيز غير الذليل.