للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الحكمة البالغة التي يُحمد عليها، فهو خير وحكمة ومصلحة، وإن كان وقوعه من العبد عيبًا ونقصًا وشرًّا.

وهذا أمر معقول في الشاهد؛ فإن الصانع الخبير إذا أخذ الخشبة العوجاء، والحجر المكسور، واللبنة الناقصة، فوضع ذلك في موضع يليق به ويناسبه= كان ذلك منه عدلًا وصوابًا يُمدح به، وإن كان في المحل عوج ونقص وعيب يُذم به المحل.

ومن وَضَع الخبائث في موضعها ومحلها اللائق بها كان ذلك حكمة وعدلًا وصوابًا. وإنما السّفَه والظلم أن يضعها في غير موضعها، فمن وضع العمامة على الرأس، والنعل في الرجل، والكحل في العين، والزُّبالة في الكُنَاسة، فقد وضع الشيء موضعه، ولم يظلم النعل والزُّبالة إذ هذا محلهما.

ومن أسمائه سبحانه «العدل» و «الحكيم» الذي لا يضع الشيء إلا في موضعه، فهو المحسن الجواد الحكيم الحَكَم العدل في كل ما خلقه، وفي كل ما وضعه في محله وهيَّأه له.

وهو سبحانه له الخلق والأمر، فكما أنه في أمره لا يأمر إلا بأرجح الأمرين، ويأمر بتحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها، وإذا تعارض أمران رجّح أحسنهما وأصلحهما، وليس في الشريعة أمر يُفعل إلا ووجوده للمأمور خير من عدمه، ولا نهي عن فعل إلا وعدمه خير من وجوده.

فإن قلت: فإذا كان وجوده خيرًا من عدمه، فكيف لا يشاء وجوده؟ وإذا كان عدمه خيرًا من وجوده، فكيف يشاء وجوده؟ فالمشيئة العامة تنقض عليك هذه القاعدة الكلية.