للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

نعم الله عليه، حيث وفّقه له، ويسَّره وأعانه عليه، وجعله من أهله، واختصه به على غيره، فهو يستدعي شكرًا آخر عليه، فلا سبيل له إلى القيام بما يجب لله من الشكر أبدًا، فنعم الله تطالبه بالشكر، وأعماله لا تقابلها، وذنوبه وغفلته وتقصيره قد تستنفذ عمله. فديوان النعم وديوان الذنوب يستنفذان طاعاته كلها.

هذا وأعمال العبد مُستحَقَّة عليه بمقتضى كونه عبدًا مملوكًا مُسْتعمَلًا فيما يأمره به سيده، فنفسه مملوكة، وأعماله مُستحَقَّة بموجِب العبودية، فليس له شيء من أعماله، كما أنه ليس له ذرة من نفسه، فلا هو مالك لنفسه ولا صفاته ولا أعماله ولا لما بيده من المال في الحقيقة، بل كل ذلك مملوك عليه، مُستحَقّ عليه لمالكه، أعظم استحقاقًا من سيد اشترى عبدًا بخالص ماله، ثم قال: اعمل، وأدِّ إليَّ، فليس لك في نفسك ولا في كسبك شيء. فلو عمل هذا العبد من الأعمال ما عمل لرأى ذلك كله مُستحَقًّا عليه لسيده، وحقًّا من حقوقه عليه.

فكيف بالمنعم المالك على الحقيقة، الذي لا تُعدّ نعمه وحقوقه على عبده، ولا يمكن أن تقابلها طاعاته بوجه، فلو عذّبه سبحانه لعذّبه وهو غير ظالم له، وإذا رحمه فرحمته خير له من أعماله، ولا تكون أعماله ثمنًا لرحمته البتَّة.

فلولا فضل الله ورحمته ومغفرته ما هنأ أحدًا عيشٌ البتة (١)، ولا عرف


(١) كذا في الأصول: "ما هنأ أحدا عيش"، ولم يظهر لي وجهها، والأشبه: "ما هنأ أحدٌ بعيش" ونحوها، يقال: هنأني الطعام تيسّر بلا مشقة، وهنأتُ الرجلَ أعطيته، وهنِئتُ به إذا فرحت، وهنِئتُ الرجلَ إذا أعطيته وسررته، انظر: "الأفعال" لابن القطاع (٣/ ٣٦٠ - ٣٦١).