للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الشعور والأوبار ما يغنيها عنها، وجُعِلت أغذيتها بالمفردات التي لا تحتاج إلى طبخ وخَبْز.

ولما كانت حاجة الإنسان إليها شديدة جُعِل له من الأسباب والآلات ما يتمكّن به من إيرائها إذا شاء، ومن إبطالها.

ومن حِكَمها هذه المصابيح التي يوقدها الناس، فيتمكنون بها من كثير من حاجاتهم، ولولاها لكانوا نصف أعمارهم بمنزلة أصحاب القبور.

وأما منافعها في إنضاج الأغذية والأدوية والدفء فلا يخفى.

وقد نبَّه تعالى على ذلك كله بقوله: {أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ (٧١) أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِئُونَ (٧٢) نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعًا لِلْمُقْوِينَ} [الواقعة: ٧١ - ٧٣]، أي: تذكّر بنار الآخرة، فيحترز منها، ويستمتع بها المُقْوون وهم النازلون بالقِيّ (١) وهي الأرض الخالية، وخُص هؤلاء بالذكر لشدة حاجتهم إليها في خَبْزهم وطبيخهم حيث لا يجدون ما يشترونه، فتغنيهم عن ما يصنعونه بالنار.

وكذلك الحكمة في خلق هذا النسيم وما فيه من المصالح والعبر، فإنه حياة هذه الأبدان وقوامها من داخل ومن خارج، وفيه تطرد هذه الأصوات فيؤديها إلى المسامع، وهو الحامل لهذه الأراييح يؤديها إلى المشام، وينقلها من موضع إلى موضع، وهو الذي (٢) يزجي السحاب، ويسوقه من مكان إلى مكان على ظهره كالرَّوايا على ظهور الإبل، وهو الذي يثير السحاب أولًا


(١) «م»: «بالفَيء» تصحيف، وانظر: «تاج العروس» (٣٩/ ٣٦٤).
(٢) «م»: «وهي التي»، «د»: «وهي الذي»، والمثبت أشبه بما قبله وبعده.