وأحكم ما دبّره، ويعرف بما فيه من الحِكَم والمصالح والمنافع إلى خلقه؟!
فشهدت العقول والفِطَر بأنه ذو الحكمة الباهرة، والقدرة القاهرة، والعلم التام المحيط، وأنه لم يخلق ذلك باطلًا، ولا من الحكمة عاطلًا.
وكذلك الحكمة في تعاقب الحر والبرد على التدريج على أبدان الحيوان والنبات، فإن قيامهما وكمالهما لمّا كان بذلك اقتضت الحكمة الإلهية أن لا يدخل أحدهما على الآخر وهلة فلا تحتمله، بل التدريج قليلًا قليلًا إلى أن ينتهي منتهاه، ويحصل المقصود به من غير ضرر يعم.
وهذا كله بأسباب هي منشأ الحِكَم والمصالح، فلا تُبْطِل السببَ بإثبات الحكمة، ولا الحكمةَ بالسبب، ولا السببَ والحكمةَ بالمشيئة= فتكونَ من الذين بخس حظهم من السمع والعقل (١).
وكذلك الحكمة في خلق النار على ما هي عليه كامنة في حاملها، فإنها لو كانت ظاهرة كالهواء والماء والتراب لأحرقت العالم وما فيه، ولم يكن بدّ من ظهورها في الأحايين للحاجة إليها، فجُعِلت مخزونة في الأجسام تُورَى عند الحاجة إليها، فتمسك بالمادة والحطب ما احتيج إلى بقائها، ثم تخبو إذا استغنى عنها، فجُعِلت على خلقة وتقدير وتدبير حصل به الاستمتاع بها والانتفاع مع السلامة من ضررها.
ثم في النار خَلّة أخرى، وهي أنها مما خُصّ به الإنسان دون سائر الحيوان، فإن الحيوانات لا تستعمل النار ولا تستمتع بها، ولمّا اقتضت الحكمة الباهرة ذلك اغتنت الحيوانات عنها في لباسها وأقواتها، فأعطيت من