البروج وتسير بأنفسها غير سيرها بفَلَكها، فلكل منها مسيران مختلفان: أحدهما عام مع الفَلَك نحو الغرب، والآخر خاص لنفسه نحو المشرق.
وقد شُبِّه هذا النوع بنملة تدب على رحا، والرحا تدور ذات اليمين، والنملة تدور ذات الشمال، فللنملة في تلك الحال حركتان مختلفتان: إحداهما حركة بنفسها تتوجه أمامها، والأخرى بغيرها هي مقهورة عليها تبعًا للرحى، تجذبها إلى خلفها، فلهذا النوع من النجوم حركتان مختلفتان على وزن وتقدير لا تعدوه.
فَزَعَم نفاة الحكمة أن ذلك أمر اتفاقي لا لحكمة ولا لغرض مقصود.
فإن قلت: فما الغرض المقصود بذلك، وأي حكمة فيه؟
قيل: استدِلَّ بما عرفتَ من الحكمة على ما خفي عليك منها، ولا تجعل ما خفي عليك دليلًا على بطلانها.
مع أن من بعض الحِكَم في ذلك أنها لو كانت كلها راتبة لبطلت الدلالات التي تكون من تنقّل المتنقِّلة منها، ومسيرها في كل واحد من البروج، كما يُستدل على أمور كثيرة وحوادث جمّة بتنقّل الشمس والقمر والسيارات في منازلها، ولو كانت كلها متنقّلة لم يكن لسيرها منازل تعرف ولا رسم يقاس عليه؛ فإنه إنما يقاس مسير المتنقّلة منها بتنقّلها في البروج الراتبة، كما يقاس سير السائر على الأرض بالمنازل التي يقطعها، وبالجملة فلو كانت كلها بحال واحدة لبطل النظام الذي اقتضته الحكمة التي جعلها هكذا، فذلك تقدير العزيز العليم، وصنع الربّ الحكيم.
وكيف يرتاب ذو بصيرة أن ذلك كله تقديرُ مُقَدِّرٍ حكيم، أتقن ما صنعه،