للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الشمس فيه (١) وسمومه، فيبرد سمومه فيعتدل الأمر، ويكسر كيفية كل منهما كيفية الآخر، ويزيل ضررها.

وكذلك الحكمة في خلق النجوم، فإن فيها من الهداية في البر والبحر، والاستدلال على الأوقات، وزينة السماء وغير ذلك ما لم يكن حاصلًا بمجرد الاتفاق، كما يقوله نفاة الحكمة.

واقتضت هذه الحكمة أن جُعِلت نوعين: نوعًا منها يظهر وقتًا ويحتجب آخر، ونوعًا آخر لا يزال ظاهرًا غير مُحْتَجِب، بل جُعِل ظاهرًا بمنزلة الأعلام التي يهتدي بها الناس في الطرقات المجهولة، فهم ينظرون إليها متى أرادوا، ويهتدون بها إلى حيث شاؤوا، وجُعِلت الحكمة في النوع الأول الاستدلال بظهوره على أمور تقارنه، متى طلع في وقت معيّن دلّ على تلك الأمور، فقامت المصلحة والحكمة بالنوعين، مع ما في خلقها من حكم أخرى ومصالح لا يهتدي إليها العباد، فما خلق الله شيئًا سدى.

وقد نظم الله سبحانه الحوادث الأرضية بالأرواح والأجرام العلوية أكمل نظام، تعجز عقول البشر عن الإحاطة ببعضه، وقد استفرغت الأمم السالفة قوى أذهانها في إدراك ذلك فلم تصل منه إلا إلى ما لا نسبة له إلى ما خفي عليها بوجه ما.

وقد جعل الخلّاق العليم سبحانه النجوم فرقتين: فرقة منها لا تَرِيمُ مراكزها (٢) من الفَلَك ولا تسير إلا بسيره، وفرقة أخرى مطلقه تتنقّل في


(١) أي في النهار.
(٢) أي لا تبرح منازلها ولا تغادرها، من رام يريم رَيَّمْا، انظر: «الجمهرة» (٢/ ٨٠٥).