للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكذلك الحكمة في تنقّل الشمس، فإنها لو كانت واقفة في موضع واحد لفاتت مصالح العالم، ولما وصل شعاعها إلى كثير من الجهات؛ لأن الجبال والجدران تحجبها عنها، فاقتضت الحكمة الباهرة أن جعلت مطلع أول النهار من المشرق، فتشرق على ما قابلها من وجه الغرب، ثم لا تزال تغشى وجهًا بعد وجه حتى تنتهي إلى المغرب (١)، فتشرق على ما استتر عنها أول النهار، فتأخذ جميع الجهات منها قسطًا من النفع.

وكذلك الحكمة الباهرة في انتهاء مقدار الليل والنهار إلى هذا الحد، فلو زاد مقدار أحدهما زيادة عظيمة لتعطلت المصالح والمنافع، وفسد النظام.

وكذلك الحكمة في ابتداء القمر دقيقًا، ثم أخْذه في الزيادة حتى يكمل، ثم يأخذ في النقصان حتى يعود إلى حالته الأولى، فكم في ذلك من حكمة ومصلحة ومنفعة للخلق؛ فإنه (٢) بذلك يعرفون الشهور والسنين والآجال وأشهر الحج والتاريخ ومقادير الأعمار ومدد الإجارات وغيرها، وهذا وإن كان يحصل بالشمس إلا أن معرفته بالقمر وزيادته ونقصانه أمر يشترك فيه الناس كلهم.

وكذلك الحكمة في إنارة القمر والكواكب في ظلمة الليل، فإنه مع الحاجة إلى الليل وظلمته لهدوء الحيوان وبرد الهواء عليه وعلى النبات؛ لم يجعل الليل ظلامًا محضًا لا ضياء فيه، فلا يمكن فيه سفر ولا عمل، وربما احتاج الناس إلى العمل بالليل لضيق الوقت عليهم في النهار ولشدة الحر، فيتمكنون في ضوء القمر من أعمال كثيرة، وجُعِل نوره باردًا ليقاوم حرارة نور


(١) «د»: «الغرب».
(٢) «د» «م»: «فإن»، والسياق يقتضي المثبت.