للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومنها: أن خوف الملائكة والمؤمنين من ربهم بعد أن شاهدوا من حال إبليس ما شاهدوه، وسقوطه من المرتبة الملكية إلى المنزلة الإبليسية= يكون أقوى وأتم، ولا ريب أن الملائكة لمّا شاهدوا ذلك حصلت لهم عبودية أخرى للربّ تعالى، وخضوع آخر، وخوف آخر، كما هو المشاهد من حال عبيد المَلِك إذا رأوه قد أهان أحدهم الإهانة التي بلغت منه كل مبلغ وهم يشاهدونه، فلا ريب أن خوفهم وحذرهم يكون أشد.

ومنها: أنه سبحانه جعله عبرة لمن خالف أمره، وتكبّر عن طاعته، وأصرّ على ذلك (١)، كما جَعَل ذنبَ أبي البشر عبرة لمن ارتكب نهيه أو عصى أمره، ثم تاب وندم ورجع إلى ربه، فابتلى أبوي الجن والإنس بالذنب، وجعل هذا الأب عبرة لمن أصر وأقام على ذنبه، وهذا الأب عبرة لمن تاب ورجع إلى ربه، فللّه كم في ضمن ذلك من الحِكَم الباهرة، والآيات الظاهرة.

ومنها: أنه مِحَكٌّ امتحن الله به خلقه؛ ليتميز به خبيثهم من طيبهم، فإنه سبحانه خلق النوع الإنساني من الأرض، وفيها السهل والحَزْن والطيب والخبيث، فلابدّ أن يظهر فيهم ما كان في مادتهم الأصلية، كما في الحديث الذي رواه الترمذي مرفوعًا (٢): «إن الله خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض، فجاء بنو آدم على مثل ذلك، منهم الطيب والخبيث، والسَّهْل والحَزْن، وغير ذلك (٣)»، فما كان في المادة الأصلية فهو كامن في المخلوق


(١) «د»: «على معصية».
(٢) برقم (٢٩٥٥) بنحوه، ورواه أحمد (١٩٥٨٢)، وأبو داود (٤٦٩٣)، من حديث أبي موسى الأشعري، قال الترمذي: «حديث حسن صحيح»، وصححه ابن حبان (٦١٦٠).
(٣) كذا في الأصول هنا وفي موضع لاحق، والرواية: «وبين ذلك».