للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لكن وقع الغلط في مسمى العلم الملازم للخشية، حيث يظن أنه يحصل بدونها، وهذا ممتنع؛ فإنه ليس في الطبيعة أن لا يخشى النار والأسد والعدو من هو عالم بها، مواجه لها، وأنه لا يخشى الموت من ألقى نفسه من شاهق ونحو ذلك، فأمنُهُ في هذه المواطن دليل عدم علمه، وأحسن أحواله أن يكون معه ظن لا يصل إلى رتبة العلم اليقيني.

فإن قيل: هذا ينتقض عليكم بمعصية إبليس؛ فإنها كانت عن علم لا عن جهل.

وبقوله تعالى: {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى} [فصلت: ١٧]، وقال: {وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً} [الإسراء: ٥٩]، وقال عن قوم فرعون: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا} [النمل: ١٤]، وقال: {وَعَادًا وَثَمُودًا وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَسَاكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ} [العنكبوت: ٣٨]، وقال موسى لفرعون: {قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَاؤُلَا إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ} [الإسراء: ١٠٢]، وقال: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ} [التوبة: ١١٥]، وقال: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمُ} [الأنعام: ٢٠]، يعني القرآن ومحمدًا - صلى الله عليه وسلم -، وقال: {يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [آل عمران: ٧١]، وقال: {فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ} [الأنعام: ٣٣]، والجحود إنكار الحق بعد معرفته، وهذا كثير في القرآن.

قيل: حجج الله لا تتناقض، بل كلها حق يصدّق بعضها بعضًا، فإذا كان