للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هو محل ظهور القدرة القاهرة، والمشيئة النافذة، والملك الكامل التام.

فتوهُّم تعطيل خلْق هذه المتضادّات تعطيل لمقتضيات تلك الصفات وأحكامها وآثارها، وذلك عين المحال؛ فإن لكل صفة من الصفات العليا حُكمًا ومقتضى وأثرًا هو مظهر كمالها، وإن كانت كاملة في نفسها، لكن ظهور آثارها وأحكامها من كمالها، فلا يجوز تعطيله؛ فإن صفة القادر تستدعي مقدورًا، وصفة الخالق تستدعي مخلوقًا، وصفة الوهّاب، الرازق، المعطي، المانع، الضار، النافع، المقدِّم، المؤخِّر، المعزّ، المذلّ، العفو، الرؤوف= تستدعي آثارها وأحكامها.

فلو عُطِّلتْ تلك الصفات عن المخلوق المرزوق، المغفور له، المرحوم، المعفو عنه؛ لم يظهر كمالها، وكانت معطَّلة عن مقتضياتها وموجَباتها، فلو كان الخلق كلهم مطيعون عابدون حامدون لتعطل أثر كثير من الصفات العُلى والأسماء الحسنى.

وكيف كان يظهر أثر صفة العفو، والمغفرة، والصفح، والتجاوز، والانتقام، والعز، والقهر، والعدل، والحكمة التي تنزل الأشياء منازلها، وتضعها مواضعها؟

فلو كان الخلق كلهم أمة واحدة لفاتت الحِكَم والآيات، والعبر والغايات المحمودة في خلقهم على هذا الوجه، وفات كمال المُلْك والتصرف؛ فإن المَلِك إذا اقتصر تصرّفه على مقدور واحد من مقدوراته: فإما أن يكون عاجزًا عن غيره؛ فيتركه عجزًا، أو جاهلًا بما في تصرفه في غيره من المصلحة؛ فيتركه جهلًا، وأما أقدر القادرين، وأعلم العالمين، وأحكم الحاكمين؛ فتصرفه في مملكته لا يقف على مقدور واحد؛ لأن ذلك نقص في ملكه.