للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الحاصلة من غير جهة العدو: وهذا منك أيضًا؛ أي بسبب مفارقتنا لديننا ودين آبائنا والدخول في طاعتك، وهذه حال كل من جعل طاعة الرسول سببًا لشرّ أصابه من السماء أو من الأرض، وهؤلاء كثير في الناس، وهم الأقلون عند الله قدرًا، الأرذلون عنده، ومعلوم أنهم لم يقولوا: {هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ} بمعنى: أنك أحدثتها.

ومن فهم هذا تبين له أن قوله تعالى: {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ} [النساء: ٧٩] لا يناقض قوله: {قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ}، بل هذا تحقيق له؛ فإنه سبحانه بيّن أن النعم والمصائب كلها من عنده، فهو الخالق لها، المقدّر لها، المبتلي خلقه بها، فهي من عنده ليس بعضها خَلْقًا له وبعضها خَلْقًا لغيره، فكيف يضاف بعضها إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - وبعضها إلى الله تعالى؟! ومعلوم أن الرسول لم يُحْدِثها، فلم يبقَ إلا ظنهم أنه سبب لحصولها، إما في الجملة كحال أهل التطيّر، وإما في الواقعة المعيّنة كحال اللائمين له في الجهاد.

فأبطل الله سبحانه ذلك الوهم الكاذب والظن الباطل، وبيّن أن ما جاء به لا يوجب شرًّا البتّة، بل الخير كله فيما جاء به، والشر بسبب أعمالهم وذنوبهم، كما قال الرسل لأهل القرية: {طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ} [يس: ١٩].

ولا يناقض هذا قول صالح لقومه: {طَائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ} [النمل: ٤٧]، وقوله تعالى عن قوم فرعون: {وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَلَا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ} [الأعراف: ١٣١]، بل هاتان (١) النسبتان نظير هاتين


(١) تحرفت في «م» «ج» إلى: «هذه»، وفي «د»: «هذا»، والسياق يقتضي المثبت.