للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الأنعام: ٩٥]، وقال: {فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ} [المدثر: ٤٩]، فإذا كان هو الذي صرفهم وجعلهم معرضين ومأفوكين؛ فكيف ينبغي إنكار ذلك عليهم؟!

قيل: هم دائرون بين عدله فيهم وحجته عليهم، فمكّنهم وفتح لهم الباب، ونهج لهم الطريق، وهيَّأ لهم الأسباب، وأرسل إليهم رسله، وأنزل عليهم كتبه، ودعاهم على ألسنة رسله، وجعل لهم عقولًا تميّز بين الخير والشر، والنافع والضار، وأسباب الرّدى، وأسباب الفلاح، وجعل لهم أسماعًا وأبصارًا، فآثروا الهوى على التقوى، واستحبوا العمى على الهدى، وقالوا: معصيتك آثر عندنا من طاعتك، والشرك بك أحب إلينا من توحيدك، وعبادة سواك أنفع لنا في دنيانا من عبادتك، فأعرضت قلوبهم عن ربهم وخالقهم ومليكهم، وانصرفت عن طاعته ومحبته وتوحيده، وأفكت عن هداه، فلما رآها سبحانه كذلك عدل فيها بأن صرفها، وأعرض بها عنه، وصدَّها عن الإقبال عليه وعن معرفته ومحبته، فهذا عدله فيهم، وتلك حجته عليهم.

فهم سدوا على نفوسهم باب الهدى إرادة منهم واختيارًا، فسدّه عليهم اضطرارًا، فخلاهم وما اختاروا لأنفسهم، وولّاهم ما تولوه، ومكّنهم مما ارتضوه، وأدخلهم من الباب الذي استبقوا إليه، وأغلق عنهم الباب الذي تولوا عنه وهم معرضون، فلا أقبح من فعلهم، ولا أحسن من فعله.

ولو شاء لخلقهم على غير هذه الصفة، ولأنشأهم غير هذه النشأة، ولكنه سبحانه خالق العلو والسُّفل، والنور والظلمة، والنافع والضار، والطيب والخبيث، والملائكة والشياطين، والشاء والذئاب، ومعطيها آلاتها