للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المتكلمون الذين ظلموها معناها، وأنفسهم كانوا يظلمون. تالله لقد غلظ عنها حجابهم، وكثفت عنها أفهامهم، ومنعتهم الوصولَ إلى المراد بها أصولُهم التي أصّلوها، وقواعدُهم التي أسّسوها؛ فإنها تضمنت إثبات التوحيد والعدل الذي بعث الله به رسله، وأنزل به كتبه، لا التوحيد والعدل الذي يقوله معطلو الصفات ونفاة القدر، وتضمنت إثبات الحكمة، والقدرة، والشرع، والقدر، والسبب، والحكم، والذنب، والعقوبة، ففتحت للقلب الصحيح بابًا واسعًا من معرفة الرب تعالى بأسمائه، وصفات كماله، ونعوت جلاله، وحكمته في شرعه وقدره، وعدله في عقابه، وفضله في ثوابه.

وتضمنت كمال توحيده في ربوبيته (١) وقيّوميته وإلهيته، وأن مصادر الأمور كلها عن محض إرادته، ومردّها إلى كمال حكمته، وأن المهتدي من خصّه بهدايته، وشرح صدره لدينه وشريعته، وأن الضال من جعل صدره ضيقًا حرجًا عن معرفته ومحبته، كأنما تصاعد في السماء، وليس ذلك في قدرته، وأن ذلك عدل منه في عقوبته لمن لم يقدره حق قدره، وجحد كمال ربوبيته، وكفر بنعمته، وآثر عبادة الشيطان على عبوديته، فَسدَّ عليه باب توفيقه وهدايته، وفتح عليه أبواب غيّه وضلالته، فضاق صدره، وقسا قلبه، وتعطلت من عبودية ربِّها جوارحه، وامتلأت بالظلمة جوانحه.

والذنب له حيث أعرض عن الإيمان، واستبدل به الكفر والفسوق والعصيان، ورضي بموالاة الشيطان، وهانت عليه معاداة الرحمن، لا يحدّث نفسه بالرجوع إلى مولاه، ولا يعزم يومًا على إقلاعه عن هواه، قد ضادّ الله في أمره بحب ما يبغضه، وببغض ما يحبه، ويوالي من يعاديه، ويعادي من يواليه،


(١) "م": "ديموميته".