للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الله، والله أكبر وأجل وأعظم وأعز (١) أن يكون في عبده شيء غير مخلوق له، ولا هو داخل تحت قدرته ومشيئته، فما قَدَر الله (٢) حقّ قَدْره من زعم ذلك، ولا عرفه حقّ معرفته، ولا عظّمه حقّ تعظيمه، بل العبد جسمه وروحه وصفاته وأفعاله ودواعيه وكل ذرة فيه مخلوق لله خلقًا تصرّف به في عبده.

وقد بيّنا أن قدرته وإرادته ودواعيه جزء من أجزاء سبب الفعل غير مُسْتَقِل بإيجاده، ومع ذلك فهذا الجزء مخلوق لله فيه، فهو عبده مخلوق من كل وجه، وبكل اعتبار، وفقره إلى خالقه وبارئه من لوازم ذاته، وقلبه بيد خالقه، وبين أصبعين من أصابعه يقلبه كيف يشاء، فيجعله مريدًا لما شاء وقوعه منه، كارهًا لما لم يشأ وقوعه، فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن.

ونعم والله، سلسلة المرجِّحات تنتهي إلى أمر الله الكوني، ومشيئته النافذة التي لا سبيل لمخلوق إلى الخروج عنها، ولكن "الجَبْر" لفظ مجمل يراد به حق وباطل كما تقدم.

فإن أردتم به أن العبد مضطر في أفعاله، وحركته في الصعود في السلّم كحركته في وقوعه منه؛ فهذا مكابرة للعقول والفطر.

وإن أردتم به أنه لا حول له ولا قوة إلا بربه وفاطره؛ فنعم لا حول ولا قوة إلا بالله، وهي كلمة عامة لا تخصيص فيها بوجه ما، فالقوة القدرة، والحول الفعل، فلا قدرة له ولا فعل إلا بالله، فلا ننكر هذا ولا نجحده لتسمية القدري له "جبرًا"، فليس الشأن في الأسماء، {إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ


(١) "وأعز" من "ج".
(٢) "د": "قدره".