للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ} [النجم: ٢٣]، فلا نترك لهذه الأسماء مُقْتَضى العقل والإيمان.

والمحذور كل المحذور أن نقول: إن الله يعذب عبده على ما لا صنع له فيه، ولا قدرة له عليه، ولا تأثير له في فعله بوجه ما، بل يعذبه على فعله هو سبحانه به، وعلى حركته إذا سقط من علو إلى سفل.

نعم لا يمتنع أن يعذبه على ذلك إذا كان قد تعاطى أسبابه بإرادته ومحبته، كما يعاقَب السكران على ما جناه في حال سكره لتفريطه وعدوانه بارتكاب السبب، وكما يعاقَب العاشق الذي غلب على صبره وعقله، وخرج الأمر عن يده لتفريطه السابق بتعاطي أسباب العشق، وكما يعاقَب الذي آل به إعراضه وبغضه للحق إلى أن صار طبعًا وقَفْلًا ورَيْنًا على قلبه، فخرج الأمر عن يده، وحِيل بينه وبين الهدى، فيعاقبه على ما لم يبق له قدرة عليه ولا إرادة، بل هو ممنوع منه، وعقوبته عليه عدلٌ محض، لا ظلم فيه بوجه ما.

فإن قيل: فهل يصير في هذه الحال مكلَّفًا، وقد حِيل بينه وبين ما أُمِر به، وصُدَّ عنه، ومُنِع منه، أم يزول التكليف؟

قيل: ستقف على الجواب الشافي إن شاء الله عن هذا السؤال في باب القول في تكليف ما لا يطاق قريبًا (١)، فإنه سؤال جيد، إذ المقصود ههنا الكلام في الجَبْر، وما في لفظه من الإجمال، وما في معناه من الهدى والضلال.


(١) لم يفرد المؤلف لهذه المسألة بابًا، ولعله يشير إلى ما سيأتي من مباحث قدرة العبد.