للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فصل

قال الجبري: إذا صدر من العبد حركة معينة: فإما أن تكون مقدورة للرب وحده، أو للعبد وحده، أو للرب وللعبد، أو لا للرب ولا للعبد، وهذا القسم الأخير باطل قطعًا، والأقسام الثلاثة قد قال بكل واحد منها طائفة.

فإن كانت مقدورة للرب وحده فهو الذي نقوله، وذلك عين الجَبْر. وإن كانت مقدورة للعبد وحده فذلك إخراج لبعض الأشياء عن قدرة الرب تعالى، فلا يكون على كل شيء قدير، ويكون العبد المخلوق الضعيف قادرًا على ما لم يقدر عليه خالقه وفاطره، وهذا هو الذي فارقت به القدرية للتوحيد (١)، وضاهت به المجوس. وإن كانت مقدورة للربِّ وللعبد لزمت الشركة، ووقوع مفعول بين فاعلَيْن، ومقدور بين قادرَيْن، وأثر بين مؤثِّرَيْن، وذلك محال؛ لأن المؤثِّرَيْن إذا اجتمعا استقلالًا على أثر واحد فهو غني عن كل منهما بكل منهما، فيكون محتاجًا إليهما، مستغنيًا عنهما.

قال السني: قد افترق الناس في هذا المقام فرقًا شتّى.

ففرقة قالت: إنما تقع الحركة بقدرة الله وحده لا بقدرة العبد، وتأثير قدرة العبد في كونها طاعة أو معصية، فقدرة الربّ وحده اقتضت وجودها، وقدرة العبد اقتضت صفتها، وهذا قول القاضي أبي بكر ومن اتبعه.

ولعمر الله؛ إنه لغير شافٍ ولا كافٍ؛ فإن صفة الحركة إن كان أمرًا (٢) وجوديًا فقد أثرت قدرته في أمر موجود، فلا يمتنع تأثيرها في نفس الحركة،


(١) كذا في الأصول: "للتوحيد".
(٢) "د": "أثرًا".