للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مُعْرِضُونَ} [الأنفال: ٢٣].

قال القدري: فإذا كان الله سبحانه قد أحدث فيهم تلك الإرادة والمشيئة المستلزمة لوجود الفعل؛ كان ذلك إيجادًا منه سبحانه لذلك فيهم، كما أوجد الهدى والإيمان في أهله.

قال السني: هذا مُعْتَرك النزال، ومَفْرَق (١) طرق العالم، والله سبحانه أعطى العبد مشيئة وقدرة وإرادة تصلح لهذا ولهذا، ثم أمد أهل الفضل بأمور وجودية زائدة على ذلك المشترك، أوجب لهم الهداية والإيمان (٢)، وأمسك ذلك الإمداد عمن علم أنه لا يصلح له ولا يليق به، فانصرفت قوى إرادته ومشيئته إلى ضده، اختيارًا منه وإرادة ومحبّة، لا كرهًا واضطرارًا.

قال القدري: فهل كان يمكنه إرادة ما لم يُعَن عليه، ولم يوفَّق له بإمداد زائد على خَلْق الإرادة؟

قال السني: إن أردت بالإمكان أنه يمكنه فعله لو أراده؛ فنعم، هو ممكن بهذا الاعتبار مقدور له، وإن أردت به أنه يمكن وقوعه بدون مشيئة الربّ وإذنه؛ فليس بممكن؛ فإنه ما شاء الله كان، ووجب وجوده، وما لم يشأ لم يكن، وامتنع وجوده.

قال القدري: فقد سَلّمتَ حينئذ أنه غير ممكن للعبد إذا لم يشأ الله منه أن يفعله، فصار غير مقدور للعبد، فقد عوقب على ترك ما لا يقدر على فعله.


(١) «ج»: «وتفرق».
(٢) كذا في الأصول: «أوجب لهم»، كأنها على الاستئناف، أي: أوجب الله، والأشبه بالسياق القبلي والبعدي: «أوجبت لهم».