للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إليهم؛ إذ هو السبب، وتقليب القلوب وتَرْكهم في طغيانهم (١) إليه؛ إذ هو الجزاء، ومثله قوله: {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ} [الصف: ٥]، والآيات التي سقتموها آنفًا إنما تدلّ على هذا.

قال السني: نعم هذا حق، لكن ليس فيه إخراج السبب عن كونه مقدورًا للربِّ تعالى واقعًا بمشيئته، ولو شاء لحال بين العبد وبينه، ووفّقه لضده، فهذه البقية التي بقيت عليك من القدر، كما أن إنكار إثبات الأسباب واقتضائها لمسبَّبَاتها وترتبها عليها هي البقية التي بقيت على الجبري في المسألة أيضًا، فكلاكما مصيب من وجه، مخطئ من وجه، ولو تخلص كل منكما من البقية التي بقيت عليه لوجدتما روح الوفاق، واصطلحتما على الحق، وبالله التوفيق.

قال القدري: فما تقول أنت أيها السني في الفعل الأول: إذا لم يكن جزاءً فما وجهه؟ وأنت ممن يقول بالحكمة والتعليل، وتُنزِّه الربّ تعالى عن الظلم الذي هو ظلم، لا ما يقوله الجبري: إنه الجمع بين النقيضين.

قال السني: لا يلزمني في هذا المقام بيان ذلك؛ فإني لم أنتصب له، إنما انتصبت لإبطال احتجاجك بالآية لمذهبك الباطل، وقد وفيت به، ولله تعالى في ذلك حِكَم وغايات محمودة لا تبلغها عقول العقلاء، ومباحث الأذكياء، فالله سبحانه إنما يضع فضله وتوفيقه وإمداده في المحل الذي يصلح له، وما لا يصلح له من المحال يدعه غفلًا فارغًا من الهدى والتوفيق، فيجري مع طبعه الذي خُلِق عليه، {وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ


(١) من قوله تعالى: {يَعْمَهُونَ} إلى هنا ساقط من «م».