الله، كما أنّ الأمر منه، فلو كانت الإضافة لأجل الأمر لاستوى المأمور والمنهي في الإضافة؛ لأن هذا مطلوبٌ إيجاده، وهذا مطلوبٌ إعدامه.
قال القدري: أنا أجوّز تعلّق الطاعة والمعصية بمشيئة الربّ تعالى وإحداثه على وجه الجزاء، لا على سبيل الابتداء، وذلك أن الله سبحانه يعاقب عبده بما يشاء، ويثيبه بما يشاء، فكما يعاقبه بخلْق الجزاء الذي يسوؤه، وخلْق الثواب الذي يسره؛ فكذلك يحسن أن يعاقبه بخلْق المعصية وخلْق الطاعة؛ فإن هذا يكون عدلًا منه، وأما أن يخلق فيه الكفر والمعصية ابتداء بلا سبب فمعاذ الله من ذلك.
قال السني: هذا توسّط حسن جدًّا لا يأباه العقل ولا الشرع، ولكن من أعدى الأول؟ وليس هو عندك مقدورًا لله، ولا واقعًا بمشيئته، فقد أثبتَّ في ملكه ما لا يقدر عليه، وأدخلتَ فيه ما لم يشأه، ونقضتَ أصلك كله؛ فإنك أصّلتَ أن فعل العبد الاختياري قدرة العبد عليه واختياره له ومشيئته تمنع قدرة الربّ عليه ومشيئته له، وهذا الأصل لا فرق فيه بين الابتدائي والجزائي.
قال القدري: فالقرآن قد فرّق بين النوعين، وجعل الكفر والفسوق الثاني جزاءً على الأول، فعُلِم أن الأول من العبد قطعًا، وإلا لم يستقم جعل أحدهما عقوبة على الآخر، وقد صرح تعالى بذلك في قوله:{فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً}[المائدة: ١٣]، فأضاف نقض الميثاق إليهم، وتقسية القلوب إليه، فالأول سبب منهم، والثاني جزاء منه سبحانه. وقال:{وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ}[الأنعام: ١١٠]، فأضاف عدم الإيمان أولًا