للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ردهم عليهم وإبطال قولهم، وأخطؤوا في ردّ حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ فإن هذا المسلك لو صحّ لبطلت الديانات جملة، وكان القدر حجَّة لكل مشرك وكافر وظالم، ولم يبق للحدود معنى، ولا يُلام جانٍ على جنايته، ولا ظالم على ظلمه، ولا يُنْكَر منكرٌ أبدًا.

ولهذا قال شيخ الملحدين ابن سينا في "إشاراته": "العارف لا يُنْكِر منكرًا؛ لاستبصاره بسرِّ الله في القدر" (١).

وهذا كلام منسلخ من الملل، ومتابعة الرسل.

وأعرف خلق الله به رسلُه وأنبياؤه، وهم أعظم الناس إنكارًا للمنكر، وإنما أُرْسِلوا بإنكار (٢) المنكر، فالعارف أعظم الناس إنكارًا للمنكر؛ لبصيرته بالأمر والقدر، فإن الأمر يوجب عليه الإنكار، والقدر يعينه عليه، ويُنْفِذُه له، فيقوم في مقام: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: ٥]، وفي مقام: {فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ} [هود: ١٢٣]، فيعبده بأمره وقدره، ويتوكلُ عليه في تنفيذ أمره بقدره. فهذا حقيقة المعرفة، وصاحب هذا المقام هو العارف بالله، وعلى هذا أجمعت الرسل من أولهم إلى خاتمهم.

وأما مَن يقول:

أصبحتُ مُنْفَعِلًا لما يختارهُ ... منِّي ففعلي كلّه طاعات (٣)


(١) بمعناه في "الإشارات" (٤/ ١٠٤)، وحكاها المصنف بمثل ما في المتن دون نسبة في "مدارج السالكين" (٤/ ٣٠١٥)، و"طريق الهجرتين" (١/ ١٨٤) (٢/ ٧٣٥).
(٢) "م": "لإنكار".
(٣) تقدمت نسبته في (١١).