للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فأضاف التزيين إليه سبحانه خلقًا ومشيئة، وحذف فاعله تارة، ونسبه إلى سببه (١) ومن أجراه على يده تارة، وهذا التزيين منه سبحانه حسن؛ إذ هو (٢) ابتلاء واختبار لعبيده؛ ليتميز المطيع منهم من العاصي، والمؤمن من الكافر، كما قال تعالى: {إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} [الكهف: ٧]، وهو من الشيطان قبيح.

وأيضًا فتزيينه سبحانه للعبد عمله السيئ عقوبة منه له على إعراضه عن توحيده وعبوديته، وإيثاره سيئ العمل على حَسَنِه؛ فإنه لابدّ أن يُعرّفه سبحانه السيئ من الحسن، فإذا آثر القبيح، واختاره وأحبَّه ورضيه لنفسه زيّنه سبحانه له، وأعماه عن رؤية قبحه بعد أن رآه قبيحًا، وكل ظالم وفاجر وفاسق لابد أن يريه الله تعالى ظلمه وفجوره وفسقه قبيحًا، فإذا تمادى عليه ارتفعت رؤية قبحه من قلبه، فربما رآه حسنًا عقوبة له؛ فإنه إنما يكشف له عن قبحه بالنور الذي في قلبه، وهو حجة الله عليه، فإذا تمادى في غيّه وظلمه ذهب ذلك النور، فلم ير قبحه في ظلمات الجهل والفسوق والظلم.

ومع هذا فحجة الله قائمة عليه بالرسالة، وبالتعريف الأول، فتزيين الربّ تعالى عدل، وعقوبته حكمة، وتزيين الشيطان إغواء وظلم، وهو السبب الخارج عن العبد، والسبب الداخل فيه حبّه وبغضه وإعراضه، والرب سبحانه خالق الجميع، والجميع واقع بمشيئته وقدرته، ولو شاء لهدى خلقه أجمعين، والمعصوم من عصمه الله، والمخذول من خذله الله، {لَهُ الْخَلْقُ


(١) "د": "مشيئته" مهملة، "م": "سنته"، والمثبت من "ج" مطابق للسياق.
(٢) "د": "منه سبحانه جزاء، وهو ابتلاء".