للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

منهم من استجاب لهم كل الاستجابة، وانقاد إليهم كلّ الانقياد، فرجعت فطرتُهُ إلى ما كانت عليه، مع ما حصل لها من الكمال والتمام في قُوَّتَي العلم النافع والعمل الصالح، فازدادت فطرتهم كمالًا إلى كمالها، فهؤلاء لا يحتاجون في المعاد إلى تهذيب وتأديب، ونار تذيب فضلاتهم الخبيثة، وتطهّرهم من الأدران والأوساخ؛ فإن انقيادهم للرسل أزال عنهم ذلك كله.

وقسم استجابوا لهم من وجه دون وجه، فبقيت عليهم بقية من الأدران والأوساخ التي تنافي الحق الذي خُلِقوا له (١)، فهيَّأ لهم العليم الحكيم من أدوية الابتلاء والامتحان بحسب تلك الأدواء التي قامت بهم، فإن وَفَتْ بالخلاص منها في هذه الدار وإلا ففي البرزخ، فإن وَفَى بالخلاص وإلا ففي موقف القيامة وأهوالها ما يخلصهم من تلك البقية، فإن وَفَى بها وإلا فلابدّ من المداواة بالدواء الأعظم، وآخر الطب الكي، فيدخلون كِيْرَ التمحيص والتخليص، حتى إذا هُذّبوا ونُقّوا ولم يبق للدواء فائدة؛ أُخْرِجوا من مارَسْتان المرضى إلى دار أهل العافية، كما دلّ على ذلك السنة المتواترة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وصَرَّح به في قوله: «حتى إذا هُذّبوا ونُقّوا أذن لهم في دخول الجنة» (٢)، فذلك قوله تعالى: {طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ} [الزمر: ٧٣]، فلم يأذن لهم في دخولها إلا بعد طيبهم؛ فإنها دار الطيبين، فليس فيها شيء من الخَبَث أصلًا، ولهذا يلبث هؤلاء في النار على قدر حاجتهم إلى التطهير وزوال الخَبَث.


(١) هكذا في الأصول: «خلقوا له»، ولعل الأشبه بالمعنى: «خلقوا عليه».
(٢) جزء من حديث أخرجه البخاري (٦٥٣٥) من حديث أبي سعيد الخدري.