للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومَن زعم أن "ما" مفعول "يختار" فقد غلط (١)؛ إذْ لو كان هذا هو المراد لكانت "الخِيَرة" منصوبة على أنها خبر "كان"، ولا يصح أن يُقال: المعنى "ما كان لهم الخيرة فيه"، وحُذِف العائد؛ فإن العائد ههنا مجرور بحرف لم يُجَرَّ الموصول بمثله، فلو حُذِف مع الحرف لم يكن عليه دليل، فلا يجوز حذفه.

وكذلك لم يفهم معنى الآية مَن قال: إن "الاختيار" ههنا هو الإرادة، كما يقول المتكلمون: إنه سبحانه فاعل بالاختيار؛ فإن هذا اصطلاح حادث منهم، لا يُحْمَل عليه كلام الله، بل لفظ الاختيار في القرآن مطابق لمعناه في اللغة، وهو اختيار الشيء على غيره، وهو يقتضي ترجيح ذلك المختار وتخصيصه وتقديمه على غيره (٢)، وهذا أمر أخص من مطلق الإرادة والمشيئة.

قال في "الصحاح" (٣): "الخِيْرَةُ الاسم من قولك: خَارَ الله لك في هذا الأمر، والخِيَرَةُ أيضًا، تقول: محمدٌ خِيَرَةُ الله من خَلْقه، وخِيْرَةُ الله أيضًا ـ بالتسكين ـ، والاختيَارُ: الاصطفاء، وكذلك التَخَيُّرُ.

والاستخارة: طلب الخِيَرَة، يقال: اسْتَخرِ الله يَخِرْ لك، وخَيّرْتُهُ بين الشيئين: فَوَّضتُ إليه الخِيارَ". انتهى.

فهذا هو الاختيار في اللغة، وهو أخصّ مما اصطلح عليه أهل الكلام.


(١) اختار هذا القول ابن جرير (١٨/ ٢٩٩)، وانظر في المسألة: "معاني القرآن وإعرابه" (٤/ ١٥١)، "البحر المحيط" (٨/ ٣٢٠).
(٢) من قوله: "وهو يقتضي ترجيح" إلى هنا ساقط من "م"، انتقال نظر.
(٣) (٢/ ٦٥٢) باختصار يسير.