للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يولد على الفطرة، حتى يكون أبواه هما اللذان يخرجانه عنها، كما ثبت ذلك عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وشَبَّهَ ذلك بخروج البهيمة صحيحة سالمة حتى يجدعها صاحبها (١).

وثبت عنه أنه قال: «يقول الله تعالى: إني خلقت عبادي حنفاء، فأتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم، وحرّمتْ عليهم ما أحللتُ لهم، وأمرتْهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانًا» (٢).

فإذا تُرِكت النفس وفطرتَها لم تؤثْر على محبة باريها وفاطرها وعبادته وحده شيئًا، ولم تشرك به، ولم تجحد كماله وربوبيته، وكان أحب شيء إليها، وأطوع شيء لها، وآثر شيء عندها، ولكن يفسدها (٣) من يقترن بها من شياطين الجن والإنس بتزيينه وإغوائه، حتى ينغمس (٤) موجبها وحكمها.

الأمر الثاني: أنه سبحانه هدى الناس هداية عامة بما أودعه فيهم من المعرفة، ومكَّنهم من أسبابها، وبما أنزل إليهم من الكتب، وأرسل إليهم من الرسل، وعلّمهم ما لم يكونوا يعلمونه، ففي كل نفس ما يقتضي معرفتها بالحق ومحبتها له.

وقد هدى الله كل عبد إلى أنواع من العلم يمكنه التوصّل بها إلى سعادة الآخرة، وجعل في فطرته محبة لذلك، لكن قد يُعرض العبد عن طلب علم ما


(١) تقدم تخريجه في (١/ ١٠٣).
(٢) جزء من حديث أخرجه مسلم (٢٨٦٥) من طريق عياض بن حمار.
(٣) «د» «ج»: «يعدها»، والمثبت من «م» أليق، وموافق لـ «مجموع الفتاوى» (١٤/ ٢٩٦).
(٤) كذا في الأصول، ولعلها: «ينطمس»، والله أعلم.