للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهذا أقرب إلى حقيقة الإنكار؛ فإنه إنكار لما هو من أجلِّ النعم أن تكون نعمة.

وأما على القول الأول والثاني والثالث فإنهم لما أضافوا النعمة إلى غير الله فقد أنكروا نعمة الله بنسبتها إلى غيره، فإن الذي قال: "إنما كان هذا لآبائنا، ورثناه كابرًا عن كابر"؛ جاحد لنعمة الله عليه، غير معترف بها، وهو كالأبرص والأقرع اللذيْن ذكَّرَهُما المَلَكُ بنعم الله عليهما فأنكرا، وقالا: "إنما ورثنا هذا كابرًا عن كابر". فقال: "إن كنتما كاذبَيْن فصيّركما الله إلى ما كنتما"، وكونها موروثة عن الآباء أبلغ في إنعام الله عليهم؛ إذ أنعم بها على آبائهم، ثم ورثهم إياها، فتمتعوا هم وآباؤهم بنعمه.

وأما قول الآخر: "لولا فلان لما كان كذا"، فيتضمن قطع إضافة النعمة إلى مَنْ لولاه لم تكن، وإضافتها إلى مَن لا يملك لنفسه ولا لغيره ضرًا ولا نفعاً، وغايته أن يكون جزءًا من أجزاء السبب (١)، أجرى الله نعمته على يديه، والسبب (٢) لا يستقل بالإيجاد، وجَعْله سببًا هو من نعم الله، فهو المنعم بتلك النعمة، وهو المنعم بما جعله من أسبابها، فالسبب والمسبّب من إنعامه، وهو سبحانه قد ينعم بذلك السبب، وقد ينعم بدونه، فلا يكون له أثر، وقد يسلبه سَبَبيتَه، وقد يجعل لها معارضًا يقاومها، وقد يرتب على السبب (٣) ضدَّ مقتضاه، فهو وحده المنعم على الحقيقة.

وأما قول القائل: "بشفاعة آلهتنا" فيتضمن الشرك، مع إضافة النعمة إلى


(١) "م": "المسبب"، والمثبت من "د" متسق مع السياق، وسيأتي من كلام المؤلف بيانه.
(٢) "م": "المسبب".
(٣) "م": "المسبب".