للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال محمد بن جرير: "يقول جل ذكره لنبيه: وما كان لنفس خلقتُها من سبيل إلى أن تصدقك إلا بأن آذن لها في ذلك، فلا تُجْهِدنّ نفسك في طلب هداها، وبلِّغها وعيد الله، ثم خلِّها، فإن هداها بيد خالقها" (١).

وما قبل الآية وما بعدها لا يدل إلا على ذلك، فإنه سبحانه قال: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (٩٩) وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ} [يونس: ٩٩ - ١٠٠]، أي: لا تكفي دعوتك في حصول الإيمان حتى يأذن الله لمن دعوته أن يؤمن، ثم قال: {قُلُ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ} [يونس: ١٠١].

قال ابن جرير: "يقول تعالى: يا محمد، قل لهؤلاء المشركين السائليك الآيات على صحة ما تدعو إليه من توحيد الله وخلع الأنداد والأوثان: انظروا ــ أيها القوم ــ ماذا في السماوات من الآيات الدالة على حقيقة ما أدعوكم إليه من توحيد الله، من شمسها وقمرها، واختلاف ليلها ونهارها، ونزول الغيث بأرزاق العباد من سحابها، وفي الأرض من جبالها، وتصدّعها بنباتها وأقوات أهلها، وسائر صنوف عجائبها، فإن في ذلك لكم ــ إن عقلتم وتدبّرتم ــ عِظة ومعتبَرًا، ودلالة أن ذلك من فعل من لا يجوز أن يكون له في ملكه شريك، ولا له على حفظه وتدبيره ظهير يغنيكم عما سواها من الآيات. وما يغني ذلك عن قوم قد سبق لهم من الله الشقاء، وقُضي عليهم في أم الكتاب أنهم من أهل النار، فهم لا يؤمنون بشيء من ذلك، ولا يصدقون به، ولو جاءتهم


(١) "جامع البيان" (١٢/ ٢٩٩).