للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الله وجنوده بأنهم لا يشعرون بذلك، وهذا من أعجب الهداية.

وتأمل كيف عظَّم الله سبحانه شأن النمل بقوله: {وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ} [النمل: ١٧]، ثم قال: {حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ}، فأخبر أنهم بأجمعهم مروا على ذلك الوادي، ودلَّ على أن ذلك الوادي كان معروفًا بالنمل، كوادي السِّباع ونحوه، ثم أخبر عمَّا دل على شدة فطنة هذه النملة، ودقة معرفتها، حيث أمرتهم أن يدخلوا مساكنهم المختصة بهم، فقد عرفت هي والنمل أن لكل طائفة منها مسكنًا لا يدخل عليهم فيه سواهم، ثم قالت: لا يحطمنكم سليمان، فجمعت بين اسمه وعينه، وعرَّفته بهما، وعرفت جنوده وقائدها، ثم قالت: وهم لا يشعرون، فكأنها جمعت بين الاعتذار عن مَعَرَّة الجيش بكونهم لا يشعرون، وبين لوم أمة النمل حيث لم يأخذوا حِذْرهم، ويدخلوا مساكنهم، ولذلك تبسّم نبي الله سليمان ضاحكًا من قولها، وإنه لموضع تعجّب وتبسّم.

وقد روى الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن ابن عباس أن رسول الله نهى عن قتل أربع: النملة، والنحلة، والهدهد، والصُّرَد (١).

وفي "الصحيح" عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "نزل نبيٌّ من الأنبياء تحت شجرة فقرصته نملة، فأمر بجهازه فأخرج، وأمر بقرية النمل فأحرقت، فأوحى الله إليه: أمن أجل أن قرصتك نملة أحرقت أمة من الأمم تسبّح؟!


(١) أخرجه عبد الرزاق (٨٤١٥)، ومن طريقه أحمد (٣٠٦٦)، وأبو داود (٥٢٦٧)، وابن ماجه (٣٢٢٤)، وصححه ابن حبان (٥٦٤٦).
والصُّرَد طائر أكبر من العصفور ضخم الرأس والمنقار يصيد صغار الحشرات وربما صاد العصفور، وكانوا يتشاءمون به، انظر: "المعجم الوسيط" (١/ ٥١٢).