للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفي الآية قول آخر قاله الضحاك، قال: {أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ} قال (١): "أعطى اليد البطش، والرجل المشي، واللسان النطق، والعين البصر، والأذن السمع" (٢). ومعنى هذا القول: أعطى كلّ عضو من الأعضاء ما خُلِق له، والخَلْق على هذا بمعنى المفعول، أي: أعطى كل عضو مخلوقه الذي خلقه له؛ فإن هذه المعاني كلها مخلوقة لله تعالى، أودعها الأعضاء.

وهذا المعنى وإن كان صحيحًا في نفسه، لكن معنى الآية أعم، والقول هو الأول، وأنه سبحانه أعطى كل شيء خَلْقه المختص به، ثم هداه لما خُلِق له، ولا خالق سواه سبحانه ولا هادي غيره، فهذا الخلق وهذه الهداية من آيات ربوبيته ووحدانيته، فهذا وجه الاستدلال على عدو الله فرعون.

ولهذا لما علم فرعون أن هذه حجة قاطعة لا مطعن فيها بوجه من الوجوه، عدل إلى سؤال فاسد غير وارد فقال: {فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى} [طه: ٥١]، أي: فما للقرون الأولى لم تُقرّ بهذا الربّ ولم تعبده، بل عبدت دونه الأوثان، والمعنى: لو كان ما تقوله حقًّا لم يخفَ على القرون الأولى، ولم يهملوه، فاحتج عليه موسى عليه السلام بما يشاهده هو وغيره من آثار ربوبية رب العالمين، فعارضه عدو الله بكفر الكافرين به وشرك المشركين، وهذا شأن كل مبطل (٣).

ولهذا صار هذا ميراثًا في ورثته، يعارضون نصوص الأنبياء بأقوال


(١) كذا في الأصول بإعادة "قال".
(٢) نسبه إليه في "البسيط" (١٤/ ٤١٥)، والفقرة وما يليها مقتبسة منه.
(٣) "ج": "معطل".