للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أن الله أكرهها على ذلك، وقهرها عليه، وأجبرها من غير فعل منها ولا إرادة ولا اختيار ولا كسب البتّة، بل حال بينها وبين الهدى ابتداء من غير ذنب ولا سبب من العبد يقتضي ذلك، بل أمَرَه وحال ــ مع أمره ــ بينه وبين الهدى، فلم ييسِّر له إليه سبيلًا، ولا أعطاه عليه قدرة، ولا مكّنه منه بوجه، وزاد بعضهم: بل أحب له الضلال والكفر والمعاصي، ورضيه منه.

وهدى الله أهل السنة والحديث وأتباع الرسول لما اختلف فيه هاتان الطائفتان من الحق بإذنه، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.

قالت القدرية: لا يجوز حمل هذه الآيات على أنه منعهم من الإيمان، وحال بينهم وبينه، إذ تكون لهم الحجة على الله، ويقولون: كيف تأمرنا بأمر ثم تحول بيننا وبينه، وتعاقبنا عليه وقد منعتنا من فعله؟! وكيف تكلفنا بأمر لا قدرة لنا عليه؟! وهل هذا إلا بمثابة مَنْ أمرَ عبده بالدخول من باب، ثم سَدّ عليه ذلك الباب سدًّا محكمًا لا يمكنه الدخول معه البتّة، ثم عاقبه أشد العقوبة على عدم الدخول؟! وبمنزلة مَنْ أمره بالمشي إلى مكان، ثم قيده بقيد لا يمكنه معه نقل قدمه، ثم أخذ يعاقبه على ترك المشي؟!

وإذا كان هذا قبيحًا في حق المخلوق الفقير المحتاج، فكيف يُنسب إلى الرب تعالى مع كمال غناه وعلمه وإحسانه ورحمته؟!

قالوا: وقد كذَّب الله سبحانه الذين قالوا: قلوبنا غُلفٌ، وفي أكنة، وإنها قد طُبع عليها، وذمَّهم على هذا القول، فكيف يُنسب إليه تعالى؟!

ولكن القوم لما أعرضوا وتركوا الاهتداء بهداه الذي بعث به رسله حتى صار ذلك الإعراض والنفار كالإلف والطبيعة والسجيّة؛ أشبه حالهم حال من مُنِع عن الشيء وصُدّ عنه، وصار هذا وقرًا في آذانهم، وختمًا على قلوبهم،