للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} أي: على الحق، قال: وهذا نحو كلام العرب إذا وصفوا رجلًا بحسن السيرة والعدل والإنصاف قالوا: فلان على طريقة حسنة، وليس ثَمَّ طريق.

ثم ذكر وجهًا آخر، فقال: لما ذكر أن سلطانه قد قهر كل دابة أتبع هذا قوله: {إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}، أي: أنه لا يخفى عليه مشتبه، ولا يعدل عنه هارب، فذكر الصراط المستقيم، وهو يعني به الطريق الذي لا يكون لأحد مسلك إلا عليه، كما قال: {إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ} [الفجر: ١٤] " (١).

قلت: فعلى القول الأول يكون المراد أنه في تصرفه في ملكه يتصرف بالعدل ومجازاة المحسن بإحسانه، والمسيء بإساءته، ولا يظلم مثقال ذرة، ولا يعاقب أحدًا بما لم يجنه، ولا يهضمه ثواب ما عمله، ولا يحمل عليه ذنب غيره، ولا يأخذ أحدًا بجريرة أحد، ولا يكلف نفسًا ما لا تطيقه، فيكون من باب {لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ} [التغابن: ١]، ومن باب "ماضٍ فيَّ حكمك، عدلٌ فيَّ قضاؤك"، ومن باب {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة: ٢]، أي: كما أنه ربّ العالمين المتصرف فيهم بقدرته ومشيئته فهو المحمود على هذا التصرف، وله الحمد على جميعه.

وعلى القول الثاني فالمراد به التهديد والوعيد، وأن مصير العباد إليه، وطريقهم عليه لا يفوته منهم أحد، كما قال تعالى: {قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ} [الحجر: ٤١]، قال الفرّاء: "يقول: مرجعهم إليَّ فأجازيهم، كقوله: {إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ} [الفجر: ١٤]، قال: وهذا كما تقول في الكلام: طريقك


(١) نقله الواحدي في "البسيط" (١١/ ٤٤٨)، وعنه المؤلف.