للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والختم" كلام باطل؛ فإنه لم يقدره إلا على التزيين والوسوسة والدعوة إلى الكفر، ولم يقدره على خلق ذلك في قلب العبد البتَّة، وهو أقل من ذلك وأعجز، وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: "بُعِثت داعيًا ومبلّغًا، وليس إليَّ من الهداية شيء، وخُلِق إبليس مُزيّنًا، وليس إليه من الضلالة شيء" (١)، فمقدور الشيطان أن يدعو العبد إلى فعل الأسباب التي إذا فعلها ختم الله على قلبه وسمعه وطبع عليه، كما يدعوه إلى الأسباب التي إذا فعلها (٢) عاقبه الله بالنار، فعقابه بالنار كعقابه بالختم والطبع، وأسباب العقاب فعله، وتزيينها وتحسينها فعل الشيطان، والجميع مخلوق لله.

وأما ما في هذا الكلام من الحق فهو أن الله سبحانه أقدر العبد على الفعل الذي أوجب الطبع والختم على قلبه، فلولا إقدار الله له على ذلك لم يفعله.

وهذا حق، لكن القدرية لم توفِ هذا الموضع حقه، وقالت: أقدره قدرة تصلح للضدين، فكان فعْل أحدهما باختياره ومشيئته التي لا تدخل تحت مقدور الرب، وإن دخلت قدرته الصالحة لهما تحت مقدوره سبحانه، فمشيئته واختياره وفعله غير واقع تحت مقدور الرب، وهذا من أبطل الباطل، فإن كل ما سواه مخلوق له، داخل تحت قدرته، واقع بمشيئته، فلو لم يشأه لم يكن.


(١) تقدم تخريجه في (٢٦٦).
(٢) من قوله: "ختم الله" إلى هنا ساقط من "م" انتقال نظر.