للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فلو أنهم بادروا في مبدأ الأمر (١) إلى مخالفة الأسباب الصادة عن الهدى لسهل عليهم، ولمَا استعصى عليهم، ولقدروا عليه.

ونظير ذلك: المبادرة إلى إزالة العلّة قبل استحكام أسبابها، ولزومها للبدن لزومًا لا ينفك منها، فإذا استحكمت العلة، وصارت كالجزء من البدن عزَّ على الطبيب استنقاذ العليل منها.

ونظير ذلك: المتوحِّل في حَمْأة، فإنه ما لم يدخل لجّتها فهو قادر على التخلص، فإذا توسط معظمها عَزّ عليه وعلى غيره إنقاذه.

فمبادئ الأمور مقدورة للعبد، فإذا استحكمت (٢) أسبابها منه وتمكنت لم يبق الأمر مقدورًا له، فتأمل هذا الموضع حق التأمل، فإنه من أنفع الأشياء في باب القدر، والله الموفق للصواب.

والله سبحانه جاعل ذلك كله وخالقه فيهم بأسباب منهم، وتلك الأسباب قد تكون أمورًا عدمية يكفي فيها عدم مشيئة أضدادها، فلا يشاء سبحانه أن يخلق للعبد أسباب الهدى، فيبقى على العدم الأصلي. وإن أراد من عبده الهداية فهي لا تحصل حتى يريد من نفسه إعانته وتوفيقه، فإذا لم يرد سبحانه من نفسه (٣) ذلك لم تحصل الهداية.


(١) "م": "أول الأمر".
(٢) "د" "م": "تحكمت".
(٣) "د": "عبده".