للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهذا كقوله - صلى الله عليه وسلم -: "إنما الربا في النسيئة" (١)، وقوله: "إنما الماء من الماء" (٢)، وقوله: "ليس الغنى عن كثرة العَرَض، إنما الغنى غنى النفس" (٣)، وقوله: "ليس المسكين الطوّاف الذي تردّه اللقمة واللقمتان والتمرة والتمرتان، إنما المسكين الذي لا يجد ما يغنيه، ولا يُفْطَن له فيُتصدّق عليه" (٤)، وقوله: "ليس الشديد بالصُّرَعَة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب" (٥)، ولم يرد نفي الاسم عن هذه المسميات، إنما أراد أن هؤلاء أولى بهذه الأسماء وأحق ممن يسمونه بها، فهكذا قوله: {تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (٤٦) وقريب من هذا قوله تعالى: {لَيْسَ اَلْبِرُّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} الآية [البقرة: ١٧٧]، وعلى التقديرين فقد أثبت للقلب عمى حقيقة، وهكذا جميع ما نُسِب إليه.

ولما كان القلب ملك الأعضاء وهي جنوده، وهو الذي يحركها ويستعملها، والإرادة والقوى والحركة الاختيارية منه تنبعث؛ كانت هذه الأشياء له أصلًا، وللأعضاء (٦) تبعًا، فلنذكر هذه الأمور مفصلة ومواقعها في


(١) أخرجه البخاري (٢١٧٨)، ومسلم (١٥٩٦) ـ واللفظ له ـ من حديث أسامة بن زيد.
(٢) أخرجه البخاري (١٨٠)، ومسلم (٣٤٣) ـ واللفظ له ـ من حديث أبي سعيد الخدري.
(٣) أخرجه البخاري (٦٤٤٦)، ومسلم (١٠٥١) من حديث أبي هريرة.
(٤) أخرجه البخاري (١٤٧٩)، ومسلم (١٠٣٩) من حديث أبي هريرة.
(٥) أخرجه البخاري (٦١١٤)، ومسلم (٢٦٠٩) من حديث أبي هريرة.
(٦) "د" و"م": "والأعضاء".