للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد بَيَّن سبحانه حكمته في هذا التثبيط والخذلان قبل وبعد، فقال: {إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ} ـ يعني: في التخلف عنك ـ {الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ (٤٥) وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ} [التوبة: ٤٥ - ٤٦].

فلما تركوا الإيمان به وبلقائه وارتابوا بما لا ريب فيه، ولم يريدوا الخروج في طاعته، ولم يستعدوا له، ولا أخذوا أهبة ذلك؛ كره سبحانه انبعاث من هذا شأنه؛ فإن من لم يرفع به وبرسوله وكتابه رأسًا، ولم يقبل هديته التي أهداها إليه على يد أحب خلقه إليه وأكرمهم عليه، ولم يعرف قدر هذه النعمة ولا شكرها، بل بدّلها كفرًا؛ فإن طاعة هذا وخروجه مع رسوله يكرهها الله سبحانه، فثبّطه لئلا يقع ما يكره من خروجه، وأوحى إلى قلبه قدرًا وكونًا أن يقعد مع القاعدين.

ثم أخبر سبحانه عن الحكمة التي تتعلق بالمؤمنين في تثبيط هؤلاء عنهم، فقال: {لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا} [التوبة: ٤٧]، والخبال: الفساد والاضطراب، فلو خرجوا مع المؤمنين لأفسدوا عليهم أمرهم، وأوقعوا بينهم الاضطراب والاختلاف.

قال ابن عباس: "ما زادوكم إلا خبالًا: عجزًا وجبنًا" (١).

يعني: يجبنونهم عن لقاء العدو بتهويل أمرهم عليهم وتعظيمهم في صدورهم.


(١) حكاه عنه في "البسيط" (١٠/ ٤٦٥).