للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

التفات إلى غيره بوجه، ومعلوم أن ما طُبِع عليه البشر لا يفي بذلك، وما يستحقه الرب جلّ جلاله لذاته، وأنه أهل أن يُعبد؛ أعظم مما يستحقه لإحسانه، فهو المستحِقّ لنهاية العبادة والمحبّة والخضوع والذل لذاته ولإحسانه وإنعامه.

وفي بعض الآثار: "لو لم أخلق جنةً ولا نارًا، أما كنتُ أهلًا أن أُعْبَد؟ " (١).

ولهذا يقول أَعْبد خلقه له يوم القيامة ــ وهم الملائكة ــ: "سبحانك ما عبدناك حق عبادتك" (٢).

فمن كرمه وجوده ورحمته أن رضي من عباده بدون اليسير مما ينبغي أن يُعبد به ويستحقه لذاته وإحسانه، فلا نسبة للواقع منهم إلى ما يستحقه بوجه من الوجوه، فلا يسعهم إلا عفوه وتجاوزه، وهو سبحانه أعلم بعباده منهم بأنفسهم، فلو عذّبهم لعذّبهم بما يعلمه منهم وإن لم يحيطوا به علمًا، ولو عذّبهم قبل إرسال رسله إليهم على أعمالهم لم يكن ظالمًا لهم، كما أنه سبحانه لم يظلمهم بمقته لهم قبل إرسال رسوله على كفرهم وشركهم وقبائحهم، فإنه سبحانه نظر إلى أهل الأرض فمقتهم عربهم وعجمهم، إلا بقايا من أهل الكتاب، ولكن أوجب على نفسه إذ كتب عليها الرحمة أنه لا


(١) أورده في "قوت القلوب" (٢/ ٩٢) منسوبًا إلى وهب بن منبه يحكيه عن "الزبور".
(٢) روي هذا في غير ما حديث عن نفر من الصحابة مرفوعًا وموقوفًا، أمثلها ما أخرجه ابن المبارك في "الزهد" (١٣٥٧)، ويحيى بن سلام في "التفسير" (١/ ٣١٨) من حديث سلمان موقوفًا عليه، وروي مرفوعًا أيضًا، وصحح الوقف ابن رجب في "جامع العلوم" (٢/ ١٨).