للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بذلك، وهذا لأنه فقير بالذات، وأما الربّ تعالى فهو الغني بذاته، الذي كل ما سواه محتاج إليه، وليس به حاجة إلى أحد.

الخامس: أن المخلوق يجبر غيرَه لنقصه، فيجبره ليحصل له الكمال بما أجبره عليه، والربُّ تعالى له الكمال المطلق من جميع الوجوه، وكماله من لوازم ذاته لم يستفده من خلقه، بل هو الذي أعطاهم من الكمال ما يليق بهم، فالمخلوق يجبر غيره ليتكمّل نقصه به، والربُّ تعالى منزّه عن كل نقص وعيب، فكماله المقدّس ينفي الجَبْر.

السادس: أن المخلوق يجبر غيرَه على فعلٍ يعينه به على غرضه؛ لعجزه عن التوصّل إليه إلا بمعاونته له، فصار الفعل من هذا، والإكراه والقهر من هذا؛ محصّلًا لغرض المُكْرِه، كما أن المعين (١) لغيره باختياره شريك له في الفعل، والربُّ تعالى غني عما سواه بكل وجه، فيستحيل في حقه الجَبْر.

السابع: أن المجبور على فعل ما لا يريد فعله يجد من نفسه فرقًا ضروريًا بينه وبين ما يريد فعله باختياره ومحبته، فالتسوية بين الأمرين تسوية بين ما عُلِم بالحسِّ والاضطرار الفرقُ بينهما، وهو كالتسوية بين حركة المُرْتعِش وحركة الكاتب، وهذا من أبطل الباطل.

الثامن: أن الله سبحانه قد فطر العباد على أن المجبور المُكْرَه على الفعل معذور لا يستحق الذم والعقوبة، ويقولون: قد أُكْرِه على كذا، وجَبَره عليه السلطان. وكما أنهم مفطورون على هذا فهم مفطورون أيضًا على ذم من فعل القبائح باختياره وإرادته، وعَدَمِ عَذْرِه، ولا يقولون: هو معذور، ولا


(١) "د": "الغني".